الاثنين، 16 أغسطس 2010

هذيان

رفعت رايتي البيضاء للموت

وأنزلت نفسي المحاربة عن حصاني

وجلست أنتظر النهاية

كن هادئاً-قلت في نفسي

ولا تكدر بأسئلتك السخيفة صفو الثواني

وهي تمر بك ولا تراك

ضع عبثيتك جانباً

ولا تفكر كثيراً بالأماني

ومت كما يموت سواك

ولا تقل للموت

انتظرني قليلاً

وأمهلني وقتاً كافياً

كي أصنع نهايتي بيدي

لا تقل: كن بطيئاً في خطاك

السبت، 13 فبراير 2010

أمريكا

القاعة ملأى بالناس
مرت ساعة ... ما زال الشاعر يلقي
قصيدته عن أمريكا:
(... الهنود الحمر/
هيروشيما/
غوانتنامو/
العراق/
...
....)
يضحك رجل عند الباب
يقول:
"ولكن ...من سيحاسب الله إن أخطأ ؟"

أمنيات

-تفقد أمنياتك...أما زلت بخير؟

*لا أرى شيئاً

-أذا فقد هرمت يا صديقي

تعب

وتعبت من بلدي

وتعبت من جسدي

وتعبت منك فابتعدي

عني ولا تعُدي

عني ولا تعُدي

لا نريد سوى الحياة

لا نريد سوى الحياة

سماء بلا طائرات تحجب عنا القمر

طفولة بلا حجر

حلم يسير على مهل

دون أن يستوقفه الغزاة:

"توقف كي نمرّ "

انتصار

ليلٌ ماجنٌ يغطي المدينة

والمدينة غارقة في الفرح

ذهبوا محملين بأشيائهم ودمي

تساءل الناس عما حدث

أجابت الطرقات:

"لا شيء

انتصر الجنود على مدينتهم ..."

الجمعة، 1 يناير 2010

عرس



الوقت عرس، زغاريد تملأ المكان وأغان تتربص بك أينما أشحت أذنيك، أسراب من أضواء ملونة تزين الجدران الخارجية للمنزل وألعاب نارية تظهر في السماء بين فينة وأخرى، أطفال يخرجون ويدخلون والفرح يرشح من وجوههم – تماما كما في يوم عيد – مأخوذين بتلك الألوان التي يرتسم بها الفراغ حال انفجار الألعاب النارية، طفلة تقف عند الباب تلبس فستانا جميلا لكن شيئا لا يدل على أنها طفلة سوى صغر حجمها، فمساحيق التجميل التي تملأ وجهها قتلت كل أثر للطفولة فيها. ففي زمن الأكاذيب الكبيرة أصبح بإمكانك أن تكون غيرك إذ صار من السهل عليك أن تخفي حقيقتك وتتقمص شخصية أخرى وكأن الحياة ما هي إلا حفلة تنكرية كبيرة نعيشها في كل حين، حتى العينين صار بإمكاننا الآن أن نستبدلهما، كل ما نحتاج إليه هو عدسات لاصقة نشتريها مقابل قليل من القطع النقدية لنصبح بعدها أشخاصا بأعين ليست لنا.

الوقت عرس ... ولا وقت للذكرى
والأماكن لا تتقن مهنة الوفاء لأصحابها فتفرغ منهم حال مغادرتهم إياها ...
على بُعْدِ عام من اليوم .. مات ، وهاهم الآن يحتفون بذكراه على طريقتهم فيزوجون أخاه من امرأته ...

تحت ذريعة أن الأطفال بحاجة إلى من يرعاهم زوجوهما .. امرأة ثلاثينية ورجلا يغادر السابعة والعشرين عما قريب ..
امرأة تلبس البياض فرحا تخبئ تحته جسدا بات يكره حريته، هو بحاجة إلى من يحتله كل يحرره من شهوته ..
ورجلا يلبس بذلة سوداء يجلس وعروسه على مقعد مرتفع مخصص لهما، ينظر إلى النسوة الراقصات والجالسات بفرح، كأبله لا يعرف سوى الابتسام ...
وبينهما جلس طفلان أكبرهما في الخامسة من عمره وآخره في الثالثة، هما ابنا العروس من زوجها السابق وأخو زوجها الجديد، ينظران إلي ما حولهما بفرح شديد باد على وجهيهما، يضحكان، يصفقان على وقع الأغاني، يلوحان بأيديهما لأطفال قدموا مع أمهاتهم لحضور حفل الزفاف، هما لا يدركان شيئا مما يحدث حولهما، لا يعرفان أنه بعد هذا الزواج المقام على شرف حاجتهما إلى الرعاية سيصبح العم أبا، وربما فيما بعد سيصبح ابن العم أخا ....
الوقت عرس ... أرملة تلبس ثوب الزفاف وكأنها تلبسه للمرة الأولى .. تقوم ترقص ، تذهب تستبدل ثوبها بثوب آخر، تجيء تجلس تتقاسم مع عريسها كأس عصير، تهمس في أذنه بضع كلمات فتتعالى ضحكاتهما متسارعة في سماء البيت، تلوح بإحدى يديها مشيرة لقريباتها وصديقاتها بالاقتراب منها لالتقاط بعض الصور التذكارية لها برفقتهن ، تقوم تقف بجانب من طلبت منهن الاقتراب.... يقترب رجل يحمل آلة تصوير لا ينفك ينتقل من مكان إلى آخر في حنايا المنزل محاولا اصطياد لحظة فرح .. يطلب من العروس ومن وقفن بجانبها الابتسام ..يعد حتى الثلاثة ثم يضغط على آلة تصويره ... يذهبن من حيث جئن وتبقى العروس وحدها واقفة في انتظار مجموعة جديدة لتتصور وإياها .. تنظر إلى الخلف حيث يجلس عريسها تطلب منه الوقوف بجانبها فيقفز من على كرسيه ويقف بجانبها يمسك طرفي جاكيت بذلته بكلتا يديه محاولا ضمهما إلى بعضهما ينظر إلى نفسه نظرة خاطفة ثم يعتدل مبتسما للصورة ... في هذه الأثناء كان لا يزال المسجل يصدح بموسيقى شرقية راقصة وهناك بعض الفتيات الصغيرات اللاتي يرقصن في وسط الحلقة التي صنعتها النساء بكراسيهن .... اقتربت امرأة كبيرة في السن بعض الشيء تلبس في جيدها كثيرا من الذهب وتحمل فوق رأسها صينية فيها حناء وبعض الورود .. طلبت من الفتيات الجلوس ثم ذهبت نحو العروسين وأتت بهما إلى وسط الحلقة وشرعت بالرقص برفقتهما وزخات متواصلة من الزغاريد تنطلق من فيها .. ويمتد الرقص ويمتد والنساء يبدأن بالانسحاب تدريجيا وبعد ما يقارب الساعة يخلو البيت إلا من أهله والعروسين ... يمسك العريس بيد عروسه ثم يذهبان نحو غرفتهما ... يفتح العريس الباب .. يدخلان ويغلقانه وراءهما ...

أيها المنسي هناك .. في حدائق الموتى ..
ما أجمل ما أهداك إياه القدر في عيد رحيلك الاول
فها هي امرأتك تمنح الجسد الذي كان يوما لك لأخيك
وها هو السرير الذي سيئن بعد قليل من وجع الخيانة .. ها هو يلبس ثوبا جديدا لاستقبال عابر سرير جديد
أيها المنسي هناك في حدائق الموتى ..نم
فليس للأموات في الأفراح نصيب
لا تحاول الصراخ .. فآذانهم مشغولة بأصوات فرح وصوتك سيتسكر على جدران قبرك
ولا تحاول البكاء .. فعيونهم مملوءة بأسرة ولحظات حب ودموعك سيشربها التراب
نم .. فما أتعس السهر وقت الخراب .....

مأتم


توفي قبل يومين رجل كان يسكن حيّنا مع عائلته، وذهبنا لتقديم التعازي، كنا أربعة رجال، وكان المأتم يقام في قاعة كبيرة يبدو واضحا أنها كانت مخزنا يضع فيه أصحابها أشياءهم القديمة أو تلك التي لا يستعملونها في الوقت الحاضر .. بعد برهة من المسير كنا على مشارف القاعة المأتم، ما إن رآنا من كان بداخلها حتى وقف بضعة رجال لاستقبالنا، كانوا أبناء الميت وأخوته، تقدمنا منهم مصافحين مواسين قائلين " عظم الله أجركم " فجاء الرد شاحبا كأحزانهم أو كما اصطنعوا من حزن " شكر الله سعيكم " ثم جلسوا وواصلنا نحن السير باحثين عن مجلس لنا ...

كان المكان يغص بالكراسي التي شغل معظمها أناس جلسوا على شكل جماعات صغيرة ليتبادلوا أطراف الحديث. ألقينا السلام على الموجودين ثم تركت من جئت وإياهم واخترت كرسيا كان في إحدى الزوايا ليتسنى لي مراقبة الجميع دون جهد. للوهلة الأولى أذهلني المشهد الذي كان . الكل يتحدث ويبتسم وكأنهم ليسوا في مأتم، جاءوا ليقدموا التعازي في رجل ميت فإذا بهم تأخذهم مشاغل الحياة وتنسيهم ما جاءوا لأجله ...

في حضرة الموت كان الحديث دائرا عن الحياة وهمومها وعن ما أنجز من أعمال هذا اليوم .. كانت هذه هي المرة الأولى التي أدخل فيها مأتما .. كنت أظنه قبل ذلك صمت وحزن فإذا به صخب وضحك وكلام لا ينتهي ...

أيقظني من ذهولي رجل دخل لتوه، اقترب من أهل الميت وعانقهم جميعا، توقف عند آخر رجل فيهم وبعد أن عانقه ربت على كتفه ثم قال : "يا حسرتي عليه، لقد مات شابا" صمت قليلا ثم واصل بصوت هو أقرب للعويل "كان مثل أخي لم نكن نفارق بعضنا البتة..." ثم تركه وجاء يجلس بالقرب مني، وقبل أن يجلس رفع يده وقال بصوت مرتفع "أسعد الله مساءكم" فتوالت أيدي الجالسين ترتفع محيية، شاكرة إياه على ما تمنى لهم من السعادة هذا المساء ..

كان هناك شاب قصير القامة نحيل الوجه يقدم القهوة للحاضرين، صرخ هذا الرجل الذي لم أكن قد رأيته قبل هذا اليوم على الشاب وطلب منه أن يأتي ويقدم له القهوة، وحدها "القهوة السادة" كانت تذكرني أنني في مأتم، وحدها كانت تدل على وجود مأتم في هذا المكان ... اقترب الشاب منه مبتسما لتصرفه وقدم له فنجانا ..فأعاده له طالبا منه أن يملأه ففعل .. شرب فنجان القهوة على عجل، بنهم من لم يشرب القهوة منذ زمن .. أعاد الفنجان للشاب ثم ترحم على الميت بصوته المرتفع والذي اعتدنا عليه مذ دخل .. ثم صمت ...

لا أدري أي نوع من الرجال هو هذا الرجل، لقد كاد يجهش بالبكاء وهو يعانق أبناء الميت وأخوته وها هو الآن يتمنى لنا مساء سعيدا.. يشرب القهوة .. ويبتسم ... لقد أيقظني من ذهولي ليضعني أمام ذهول أكبر .. أعجب كيف لهؤلاء الجالسين أن يستحضروا سعادتهم داخل مأتم ؟! أمن المفترض أن يكون هناك سعادة في مأتم ؟ ألم يعد للموت سطوة على قلوب البشر ؟ ....

انصرفت بنظري عن هذا الرجل الغريب الأطوار، و تركت لعيني حرية التجوال في المكان، انطلقت عيناي من حيث دخلت القاعة، من المكان الذي كان يجلس فيه أبناء الميت وأخوته .. كانوا تارة يتأملون الجالسين وتارة أخرى يتهامسون فيما بينهم وأخرى يخفضون رؤوسهم مفكرين في أشياء لا علم لي بها، ربما كانوا يفكرون بالميت وربما كانوا يفكرون بهؤلاء الجالسين على كراسي الحزن ليقدموا التعازي، وربما كانوا يفكرون بأشياء أخرى . نظر أحدهم إلى اثنين كانا يخوضان نقاشا حادا ارتفع صوتهما جراءه بعض الشيء فابتسم لما شاهده ابتسامة خائفة من أن يلحظها أحد، كان المبتسم أحد أبناء الميت ولقد شغله هذا الموقف عن أبيه فابتسم.

تركت أهل الميت وانتقلت بعيني إلى وسط القاعة حيث تحلق سبعة رجال حول شيخ طاعن في السن له لحية بيضاء كثة ويلبس ثوبا أبيض فوقه عباءة بنية ويمسك في يده عصا، وكان يتحدث إليهم بصوت مرتفع وصلني بوضوح تام، كان يحدثهم عن الصلاة وعن إثم تاركها فتوقعت أن يكون إمام مسجد أو داعية ما ... وفي مكان آخر من القاعة كان يجلس رجلان مقابلين لبعضهما وكانا قريبين مني، سأل أحدهما الآخر إن كان قد ذهب اليوم للعمل أم لا ، فأجابه بأن صلاحية تصريحه قد انتهت وعلى الرغم من ذلك فقد حاول الذهاب إلا أن الجنود الإسرائيليين قد شددوا التفتيش على الحواجز مما حال دون وصوله إلى مكان عمله ...


كان المكان نابضا بالحركة ، أناس يدخلون وآخرون يخرجون ليفرغوا مكانا للقادمين الجدد .. وكأن الناس اتخذوا المأتم مكانا للالتقاء ببعضهم فما إن يجلسوا حتى يشرعوا بالحديث عن أمورهم الخاصة ، كأنهم جاءوا فقط ليخبروا الميت أن الحياة بعده ستستمر ...

دخل ثلاثة رجال وجلسوا في مكان ما من القاعة ثم أشار أحدهم بيده إلى أحد إخوة الميت فقام الأخير وجلس بجانبه وغرقا في حديث أسفر في نهايته عن ابتسامة عريضة ارتسمت على وجه كل منهما ...

حملتني الذاكرة إلى عجوز توفي قبل سنوات، كان أول شيء قام به أولاده بعد دفنه أن تخلصوا من أشيائه الخاصة ، تصدقوا بثيابه ، باعوا سريره ، رموا بعض أشيائه ، وأغلقوا غرفته فصارت مسكنا للأشباح .. تلك الغرفة التي من المؤكد أنها كانت في يوم من الأيام مليئة بأصواتهم فها هم يغلقونها بعد وفاته كي لا يرتطموا بذكراه إن هم دخلوها ...

كم سيء هو النسيان ، لسنا سوى عابري طريق على هذه الأرض ، نسير على رمل وبعد مرورنا تأتي الأمواج لتمحو خطى أقدامنا ...

قلت في نفسي : (( الكل سيخوض هذه التجربة ، جميعنا سوف نموت وجميعنا سوف ننسى كأننا لم نكن موجودين يوما أو كأن أحدا لم ينتبه لغيابنا ... )) ، كأبله صمت للحظة دون التفكير بشيء ثم واصلت مخاطبا نفسي
(( يلزمك بعض الغياب كي تعي عبثية وجودك هنا على هذه الأرض .. )).

***

الصمت هو اللغة الشرعية الوحيدة للحزن، وما البكاء إلا طريقا مختصرا للنسيان ، جميع أقارب الميت ذرفوا الدموع عندما علموا بموته ولكنهم ذرفوا معها ذاكرتهم فما إن فرغوا من البكاء حتى فرغوا من أحزانهم .. وحده من كانت دموعه ترتد إلى داخله فتترك حزنا عميقا خلفها ، وحده كان صامتا .. وحده كان حزينا .. كان يجلس في زاوية مقابلة لي .. هو الابن الأصغر للميت ، شاب صغير لم يجاوز العشرين .. وحده من شعر بفقدان شيء ، فقد كان أبوه بالنسبة له كل عالمه، فبعد أن توفيت أمه قبل أعوام وبعد أن تزوج آخر أخوته لم يكن لكل منهما غير أخره ليستعين به على الوحدة وليستعيض به عن غياب من غابوا .. ليس مجرد أب هو ما فقد هذا الشاب .. لقد فقد جزءا منه .. فمن سيملأ هذا الغياب بعد والده ...؟!

وحيدا كان يجلس في زاوية مقابلة لي ، عيناه ساهمتان غارقتان في شيء ما .. لا شك بأن الذكرى كانت قد رحلت بهما إلى مكان وزمان آخرين .. زمن كان فيه أبوه جزءا من هذا العالم ... وكمن ينتبه إلى الجالسين للمرة الأولى ، راح ينظر إليهم بذهول ، باحتقار كأنه يود لو يطردهم جميعا ... راودتني فكرة القيام والجلوس بجانبه لعلي أستطيع أن آخذ عنه بعض حزنه لكني عدلت عنها .. قلت في نفسي : ( ليس من السهل أن يحمل أحد عنك أحزانك .. )


نظرت إلى ساعتي ، كانت تشير إلى الثامنة مساء ، وكان قد مر على وجودي هنا ما يقارب الساعة شربت خلالها القهوة ثلاث مرات .. في العادة يمكث الناس هنا مدة قصيرة ، إلا أنني كنت مأخوذا بفظاعة النسيان فنسيت نفسي جالسا هنا على مقعد الدهشة .. نظرت حولي فإذا بالذين جئت معهم قد غادروا المكان ، ربما حاولوا إعلامي برحيلهم دون أن أنتبه لهم .. وقفت ، ألقيت السلام مرة أخرى ، ثم غادرت المكان ...

نيويورك-غزة




في نيويورك : انزعج جميع أفراد العائلة وأصابتهم حالة من الذعر الشديد عندما انقطعت الكهرباء عن المنزل لدقيقتين بسبب سوء الأحوال الجوية ...

في غزة : يبتسم طفل في وجه أبيه ويقول : " الحمد لله .. لقد مرت ساعتان دون أن تنقطع الكهرباء .. كم نحن محظوظون اليوم . "

في نيويورك : تستيقظ سيدة من نومها في وقت متأخر من الليل غاضبة .. تتصل على الفور بالشرطة .. لقد أزعجها صوت الموسيقى القادم من بيت الجيران ...

في غزة : الساعة الثالثة صباحا .. تجلس أم في إحدى زوايا البيت .. تحتضن طفلها وتبكي .. تضع يديها على أذنيه علها تحول دون سماعه أصوات القصف المدفعي ..

في نيويورك : يقول رجل لزوجته : " سأترك هذا المكان من الحديقة لورودي المفضلة .. "

في غزة : يشير رجل بيده إلى مكان صغير خلف البيت ويقول لزوجته : " سأحفر لنا قبرا هنا .. لقد امتلأت كل مقابر المدينة .."

في نيويورك : قرر صاحب الكازينو بعد أن أحس بدنو أجله أن ينشر كتابا عن حياته.

في غزة : أعلنت فرق البحث بعد ساعات طويلة من العمل عن ضياع أشلاء جثة الرسام فلان الفلاني تحت ركام البناية التي كان يسكن فيها والتي قصفتها الطائرات الإسرائيلية ليلة أمس .

قبلة في المكتبة




في المكتبة .. وعلى مرأى من الأدب .. كنا نصعد سلم الشهوة خطوة خطوة ...

استجار بالصمت في محاولة منه إخفاء شهوته ، لكن صمته كان أعلى من كل الأصوات .. ودون حاجة إلى الكلام ، عيناه اللتان لا تجيدان إخفاء ما يسكنهما قالتا كل شيء ...

اقترب مني أكثر .. وضع يديه على يدي ..كانت يداه حريقا يحتاج إلى بحر من النشوة لإخماده ..واقترب أكثر .. وأصبح ثغري في مرمى شفتيه.. وبلمح البصر ، كانت شفتاه المرتعشتان شبقا تنقضان على شفتي في محاولة لعناقهما .. أذكر ، قال لي يوما : ( القبلة موعدان ، موعد مع الموت وآخر مع الحياة ، إنها تقتلك وتحييك في آن معا ... ) . لم أدرك يومها مدى صحة ما قال لي ، لكني أدركته فيما بعد .. على أعتاب قبلته الأولى ...

ما إن تعانقت شفاهنا حتى أغمضت عيني واستسلمت لموته المشتهى .. عندها تملكتني رغبة ملحة في الصراخ ، لكن شفتاه الملتصقتان بشفتي حالتا دون ذلك .. لم أكن أعرف قبلها أن بإمكان قبلة أن تملأك نشوة حد الصراخ .. وربما حد البكاء...

بانصهار شفاهنا ببعضها كنا نمتطي جواد الجنون ونعبر الزمن إلى مكان خارج الوقت ، هناك .. حيث عقارب الساعة تكف عن الدوران ، إذ لا وقت لتدور من أجل حسابه ...

كان يرسم على شفتي قبلات متتالية ، سريعة ، كأنه في معركة مع الوقت .. يريد كسب أكبر عدد ممكن من القبل قبل انتهاء المعركة .. كان بين قبة وقبلة يقتلني ليعيدني طفلة بقبلة أخرى ...

لقبلته طعم الثلج وطعم النار.. مذاق تقف الكلمات حيرى أمام وصفه .. هو الذي يحترف إغراء الأنوثة كانت هذه هي المرة الأولى التي يقبلني فيها .. كان يريد لقبلته مكانا استثنائيا يليق بها ، فلم يجد أفضل من المكتبة .. ليقول للذين ملؤوها بكلماتهم أنهم ما زالوا تلاميذا أمام قبلته ...

واستمرينا كمن أصبح التوقف خارج سيطرته .. واستمرينا .. لا أدري كم دام عمر هذه القبلة .. لا أدري كيف بدأت وكيف انتهت.. كل ما أذكره أنني كنت أقول له خلالها :
(( .. قبلني أكثر .. أعدني طفلة من جديد ... ))...

عبرنا الجسر قبل أن نبلغه

قبل أن نصل نهاية الطريق .. توقفنا ومنحنا أنفسنا الجوائز التي هي من حقنا لو أننا أكملنا الطريق

وقبل أن تنتهي الحرب .. نام جنودنا وحلموا بأنهم انتصروا .. ثم استيقظوا واحتفلوا

وقبل أن نستعيد ما ضاع منا أو بالأحرى ما أضعناه .. اختلفنا على نصيب كل منا فيه واقتتلنا

والآن .. حكومتان ولا وطن

فمتى سمنمتلك من العقل ما يكفي كي نعي حقيقة ما نحن فيه

ومتى سنعي أن السباق مع الزمن لا يعني أن نرمي بنادقنا قبل أن يرحل الغزاة وأن نطالب بدولة قبل أن نستعيد الوطن ..

المرآة



لم أخبرك يا سيدتي الجميلة من قبل عن مدى كرهي للمرآة، لكني أكرهها فعلا، والحقيقة أنني كلما صادفت واحدة حاولت كسرها، وإن لم أستطع أهرب منها. ههه، أتخيلك الآن ترفعين حاجبيك وتحدقين فيّ باستغراب فأضحك. لا تستغربي، فما حاجة قبيح مثلي إلى مرآة؟ إنها تذكرني بما لا أحب. قرأت يوما أن الحقيقة مرآة الروح، وبما أن الحقيقة مرآة، فأنا أكرهها أيضا، وأشعر بالحنق عليها كوني عاجز عن كسرها.




لا تسأليني عن حاجتنا إلى هذا الكلام فأنت السبب، نعم أنت السبب، تلك الطريقة التي تعامليني بها، ما تحملينه لي من الحب، انشغالك الدائم بي، صوتك الذي يبعث في نفسي الطمأنينة، كل شيء فيك يا سيدتي الطيبة كل شيء. أتعلمين، أحيانا تتملكني رغبة جامحة في قتلك والتخلص منك، وأود لو أصرخ في وجهك "أكرهك"، أكرهك لأنني بدأت أحبك بصدق، لأنك لا تنفكين تحاولين وضعي أمام المرآة. معك أشعر بدناءتي، وهذا ما يزعجني.




أتصفح ملفاتي على الحاسوب فتطالعني صورتك من خلف الزجاج، شعرك القصير الممعن في السواد، عيناك العسليتان، ابتسامتك الهادئة، ووجهك النحيف. أتأملك وألعن باسمك كل الصدف السيئة، وكل الطرق التي جمعتنا، ألعن نفسي وألعنك. تراودني "لو" عن نفسها، وأكاد أتلفظ بها لولا أن أبصرت الندم في عين واوها يتربص بي. أتأملك وأعجب كيف حدث والتقينا في مكان كذاك. كيف أمكن أن ألتقيك عبر الإنترنت وفي صفحة للدردشة، حيث لا شيء يشبهك.




***



لم يكن يوما مميزا، ولا استثنائيا، جلست أمام شاشة الحاسوب في تمام الثامنة مساء، أبحث – كعادتي – عن فتاة تشبع هذا الهوس الجنسي الذي يغمرني. هل كنت أول فتاة ألتقيها كما أخبرتك فيما بعد؟ لا، لكنك الأولى التي ملأت رأسي بالصداع. وقد عرفت قبلك كثيرات. بعضهن مصابات مثلي بهذا الهوس، وغيرهن قادرات على إشباع رغباتي مقابل المال، وأخريات هن في الحقيقة رجال يتقمصون الدور لأسباب لا زلت أجهلها. في ذلك اليوم كنت أنت فتاتي وفريستي السهلة. فرحت بقبولك السريع للتعارف. ابتسمت بخبث، عدلت من جلستي على الكرسي، واستبقتك في الأسئلة كي أختار لي من الصفات ما يناسبك:



- شو اسمك؟


- هبة.


- عاشت الأسامي. من وين؟


- مصر.


- أهلا بأهل مصر. كم عمرك؟


- 25.


- العمر كله يا رب. متزوجة؟


- لا.


- تعملين؟


- نعم، مدرسة.


- مدرسة!!!


- نعم مدرسة، ايه المشكلة؟


- ولا شي، مستغرب من وجودك هنا.


- في الحقيقة دي أول مرة، جلست مكان بنت خالتي، قامت تساعد أمها.


- ...


- ...


- وانت اسمك ايه؟


- شادي.


- ياه، اسم جميل.


- شكرا.


- كم عمرك؟


- 27.


- منين؟


- الأردن.


- ...


- ...




ذات يوم، أثناء وجودي في الحافلة، سمعت فتيات يتهامسن أن من أجمل أسماء الشباب ( شادي )، وظل هذا الشيء عالقا في ذهني حتى الساعة، ولذلك اعتدت أن أخبر كل اللواتي ألتقيهن هناك – أقصد ذات المكان الذي التقينا فيه- اعتدت على إخبارهن بأن اسمي (شادي)، أما عمري وبلدي فكانا متغيرين بما يتناسب مع كل فتاة على حدة. اعذريني على السنوات السبعة التي أضفتها لعمري، فلولاها هناك أشياء كثيرة ما كانت لتحدث بيننا. أما الدولة،في الواقع لا أعرف لماذا أخفيت هويتي الفلسطينية، ربما هو الخوف من كل ما يمكن أن يدل على حقيقتي.



***



في اللقاء الذي تلا لقاءنا الأول، عندما سألتك عن اهتماماتك وأجبتني بأنك تحبين المطالعة، وغمرتك بكم هائل من أسماء الكتاب والكتب، بعضها قرأتها فعلا، وبعضها لا أعرف منها إلا عناوينها، لكنني ادعيت أمامك قراءتها لأزيد من انبهارك، عرفت حينها أنك وقعت، وأنك – ابتداء من تلك اللحظة – بدأت تهتمين بي. ومن غرفة للدردشة إلى البريد إلى الإلكتروني ومن ثم إلى الهاتف، تحدثنا كثيرا كثيرا. عرفت عنك الكثير ولم تعرفي عني شيئا. منحتني الحب وأعطيتك أحلاما مزيفة. أوهمتك بالمجيء ووعدتني بالانتظار. طالبتني بالزواج، وبما أن كل ما بيننا لا يعدو كونه كلمات لم يكن هناك ما يمنعني من الموافقة على طلبك، وأخذنا نتخيل مراسم الاحتفال ( بدي أعملك عرس ما حصل متلو في الكون، والفتسان رح أشتريلك إياه من باريس، ... ) وأنت تخبريني عن الفرح الذي يتركه كلامي في نفسك.



***



أمس،عندما أخبرتني أن شخصا ما تقدم للزواج بك ورفضتِ من أجلي، كان علي أن أتراجع، أحسست بمقدار السوء الذي أنا عليه. لديالكثير مما أخبرك به، لكني لاأعرف كيف . أتعلمين، أتمنى لو أنك كاذبة مثلي، لو أن كل ما أخبرتني به ليس صحيحا،أ تمنى ذلك،أتمناه. لكن مهما كانت الحقيقة أود أن أهنئك، فلقد نجحت أخيرا في وضعي أمام المرآة. هل تكفي عذرا أمام كل ما حدث؟ لا أدري لكن اعذريني.