الجمعة، 1 يناير 2010

عرس



الوقت عرس، زغاريد تملأ المكان وأغان تتربص بك أينما أشحت أذنيك، أسراب من أضواء ملونة تزين الجدران الخارجية للمنزل وألعاب نارية تظهر في السماء بين فينة وأخرى، أطفال يخرجون ويدخلون والفرح يرشح من وجوههم – تماما كما في يوم عيد – مأخوذين بتلك الألوان التي يرتسم بها الفراغ حال انفجار الألعاب النارية، طفلة تقف عند الباب تلبس فستانا جميلا لكن شيئا لا يدل على أنها طفلة سوى صغر حجمها، فمساحيق التجميل التي تملأ وجهها قتلت كل أثر للطفولة فيها. ففي زمن الأكاذيب الكبيرة أصبح بإمكانك أن تكون غيرك إذ صار من السهل عليك أن تخفي حقيقتك وتتقمص شخصية أخرى وكأن الحياة ما هي إلا حفلة تنكرية كبيرة نعيشها في كل حين، حتى العينين صار بإمكاننا الآن أن نستبدلهما، كل ما نحتاج إليه هو عدسات لاصقة نشتريها مقابل قليل من القطع النقدية لنصبح بعدها أشخاصا بأعين ليست لنا.

الوقت عرس ... ولا وقت للذكرى
والأماكن لا تتقن مهنة الوفاء لأصحابها فتفرغ منهم حال مغادرتهم إياها ...
على بُعْدِ عام من اليوم .. مات ، وهاهم الآن يحتفون بذكراه على طريقتهم فيزوجون أخاه من امرأته ...

تحت ذريعة أن الأطفال بحاجة إلى من يرعاهم زوجوهما .. امرأة ثلاثينية ورجلا يغادر السابعة والعشرين عما قريب ..
امرأة تلبس البياض فرحا تخبئ تحته جسدا بات يكره حريته، هو بحاجة إلى من يحتله كل يحرره من شهوته ..
ورجلا يلبس بذلة سوداء يجلس وعروسه على مقعد مرتفع مخصص لهما، ينظر إلى النسوة الراقصات والجالسات بفرح، كأبله لا يعرف سوى الابتسام ...
وبينهما جلس طفلان أكبرهما في الخامسة من عمره وآخره في الثالثة، هما ابنا العروس من زوجها السابق وأخو زوجها الجديد، ينظران إلي ما حولهما بفرح شديد باد على وجهيهما، يضحكان، يصفقان على وقع الأغاني، يلوحان بأيديهما لأطفال قدموا مع أمهاتهم لحضور حفل الزفاف، هما لا يدركان شيئا مما يحدث حولهما، لا يعرفان أنه بعد هذا الزواج المقام على شرف حاجتهما إلى الرعاية سيصبح العم أبا، وربما فيما بعد سيصبح ابن العم أخا ....
الوقت عرس ... أرملة تلبس ثوب الزفاف وكأنها تلبسه للمرة الأولى .. تقوم ترقص ، تذهب تستبدل ثوبها بثوب آخر، تجيء تجلس تتقاسم مع عريسها كأس عصير، تهمس في أذنه بضع كلمات فتتعالى ضحكاتهما متسارعة في سماء البيت، تلوح بإحدى يديها مشيرة لقريباتها وصديقاتها بالاقتراب منها لالتقاط بعض الصور التذكارية لها برفقتهن ، تقوم تقف بجانب من طلبت منهن الاقتراب.... يقترب رجل يحمل آلة تصوير لا ينفك ينتقل من مكان إلى آخر في حنايا المنزل محاولا اصطياد لحظة فرح .. يطلب من العروس ومن وقفن بجانبها الابتسام ..يعد حتى الثلاثة ثم يضغط على آلة تصويره ... يذهبن من حيث جئن وتبقى العروس وحدها واقفة في انتظار مجموعة جديدة لتتصور وإياها .. تنظر إلى الخلف حيث يجلس عريسها تطلب منه الوقوف بجانبها فيقفز من على كرسيه ويقف بجانبها يمسك طرفي جاكيت بذلته بكلتا يديه محاولا ضمهما إلى بعضهما ينظر إلى نفسه نظرة خاطفة ثم يعتدل مبتسما للصورة ... في هذه الأثناء كان لا يزال المسجل يصدح بموسيقى شرقية راقصة وهناك بعض الفتيات الصغيرات اللاتي يرقصن في وسط الحلقة التي صنعتها النساء بكراسيهن .... اقتربت امرأة كبيرة في السن بعض الشيء تلبس في جيدها كثيرا من الذهب وتحمل فوق رأسها صينية فيها حناء وبعض الورود .. طلبت من الفتيات الجلوس ثم ذهبت نحو العروسين وأتت بهما إلى وسط الحلقة وشرعت بالرقص برفقتهما وزخات متواصلة من الزغاريد تنطلق من فيها .. ويمتد الرقص ويمتد والنساء يبدأن بالانسحاب تدريجيا وبعد ما يقارب الساعة يخلو البيت إلا من أهله والعروسين ... يمسك العريس بيد عروسه ثم يذهبان نحو غرفتهما ... يفتح العريس الباب .. يدخلان ويغلقانه وراءهما ...

أيها المنسي هناك .. في حدائق الموتى ..
ما أجمل ما أهداك إياه القدر في عيد رحيلك الاول
فها هي امرأتك تمنح الجسد الذي كان يوما لك لأخيك
وها هو السرير الذي سيئن بعد قليل من وجع الخيانة .. ها هو يلبس ثوبا جديدا لاستقبال عابر سرير جديد
أيها المنسي هناك في حدائق الموتى ..نم
فليس للأموات في الأفراح نصيب
لا تحاول الصراخ .. فآذانهم مشغولة بأصوات فرح وصوتك سيتسكر على جدران قبرك
ولا تحاول البكاء .. فعيونهم مملوءة بأسرة ولحظات حب ودموعك سيشربها التراب
نم .. فما أتعس السهر وقت الخراب .....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق