الجمعة، 1 يناير 2010

المرآة



لم أخبرك يا سيدتي الجميلة من قبل عن مدى كرهي للمرآة، لكني أكرهها فعلا، والحقيقة أنني كلما صادفت واحدة حاولت كسرها، وإن لم أستطع أهرب منها. ههه، أتخيلك الآن ترفعين حاجبيك وتحدقين فيّ باستغراب فأضحك. لا تستغربي، فما حاجة قبيح مثلي إلى مرآة؟ إنها تذكرني بما لا أحب. قرأت يوما أن الحقيقة مرآة الروح، وبما أن الحقيقة مرآة، فأنا أكرهها أيضا، وأشعر بالحنق عليها كوني عاجز عن كسرها.




لا تسأليني عن حاجتنا إلى هذا الكلام فأنت السبب، نعم أنت السبب، تلك الطريقة التي تعامليني بها، ما تحملينه لي من الحب، انشغالك الدائم بي، صوتك الذي يبعث في نفسي الطمأنينة، كل شيء فيك يا سيدتي الطيبة كل شيء. أتعلمين، أحيانا تتملكني رغبة جامحة في قتلك والتخلص منك، وأود لو أصرخ في وجهك "أكرهك"، أكرهك لأنني بدأت أحبك بصدق، لأنك لا تنفكين تحاولين وضعي أمام المرآة. معك أشعر بدناءتي، وهذا ما يزعجني.




أتصفح ملفاتي على الحاسوب فتطالعني صورتك من خلف الزجاج، شعرك القصير الممعن في السواد، عيناك العسليتان، ابتسامتك الهادئة، ووجهك النحيف. أتأملك وألعن باسمك كل الصدف السيئة، وكل الطرق التي جمعتنا، ألعن نفسي وألعنك. تراودني "لو" عن نفسها، وأكاد أتلفظ بها لولا أن أبصرت الندم في عين واوها يتربص بي. أتأملك وأعجب كيف حدث والتقينا في مكان كذاك. كيف أمكن أن ألتقيك عبر الإنترنت وفي صفحة للدردشة، حيث لا شيء يشبهك.




***



لم يكن يوما مميزا، ولا استثنائيا، جلست أمام شاشة الحاسوب في تمام الثامنة مساء، أبحث – كعادتي – عن فتاة تشبع هذا الهوس الجنسي الذي يغمرني. هل كنت أول فتاة ألتقيها كما أخبرتك فيما بعد؟ لا، لكنك الأولى التي ملأت رأسي بالصداع. وقد عرفت قبلك كثيرات. بعضهن مصابات مثلي بهذا الهوس، وغيرهن قادرات على إشباع رغباتي مقابل المال، وأخريات هن في الحقيقة رجال يتقمصون الدور لأسباب لا زلت أجهلها. في ذلك اليوم كنت أنت فتاتي وفريستي السهلة. فرحت بقبولك السريع للتعارف. ابتسمت بخبث، عدلت من جلستي على الكرسي، واستبقتك في الأسئلة كي أختار لي من الصفات ما يناسبك:



- شو اسمك؟


- هبة.


- عاشت الأسامي. من وين؟


- مصر.


- أهلا بأهل مصر. كم عمرك؟


- 25.


- العمر كله يا رب. متزوجة؟


- لا.


- تعملين؟


- نعم، مدرسة.


- مدرسة!!!


- نعم مدرسة، ايه المشكلة؟


- ولا شي، مستغرب من وجودك هنا.


- في الحقيقة دي أول مرة، جلست مكان بنت خالتي، قامت تساعد أمها.


- ...


- ...


- وانت اسمك ايه؟


- شادي.


- ياه، اسم جميل.


- شكرا.


- كم عمرك؟


- 27.


- منين؟


- الأردن.


- ...


- ...




ذات يوم، أثناء وجودي في الحافلة، سمعت فتيات يتهامسن أن من أجمل أسماء الشباب ( شادي )، وظل هذا الشيء عالقا في ذهني حتى الساعة، ولذلك اعتدت أن أخبر كل اللواتي ألتقيهن هناك – أقصد ذات المكان الذي التقينا فيه- اعتدت على إخبارهن بأن اسمي (شادي)، أما عمري وبلدي فكانا متغيرين بما يتناسب مع كل فتاة على حدة. اعذريني على السنوات السبعة التي أضفتها لعمري، فلولاها هناك أشياء كثيرة ما كانت لتحدث بيننا. أما الدولة،في الواقع لا أعرف لماذا أخفيت هويتي الفلسطينية، ربما هو الخوف من كل ما يمكن أن يدل على حقيقتي.



***



في اللقاء الذي تلا لقاءنا الأول، عندما سألتك عن اهتماماتك وأجبتني بأنك تحبين المطالعة، وغمرتك بكم هائل من أسماء الكتاب والكتب، بعضها قرأتها فعلا، وبعضها لا أعرف منها إلا عناوينها، لكنني ادعيت أمامك قراءتها لأزيد من انبهارك، عرفت حينها أنك وقعت، وأنك – ابتداء من تلك اللحظة – بدأت تهتمين بي. ومن غرفة للدردشة إلى البريد إلى الإلكتروني ومن ثم إلى الهاتف، تحدثنا كثيرا كثيرا. عرفت عنك الكثير ولم تعرفي عني شيئا. منحتني الحب وأعطيتك أحلاما مزيفة. أوهمتك بالمجيء ووعدتني بالانتظار. طالبتني بالزواج، وبما أن كل ما بيننا لا يعدو كونه كلمات لم يكن هناك ما يمنعني من الموافقة على طلبك، وأخذنا نتخيل مراسم الاحتفال ( بدي أعملك عرس ما حصل متلو في الكون، والفتسان رح أشتريلك إياه من باريس، ... ) وأنت تخبريني عن الفرح الذي يتركه كلامي في نفسك.



***



أمس،عندما أخبرتني أن شخصا ما تقدم للزواج بك ورفضتِ من أجلي، كان علي أن أتراجع، أحسست بمقدار السوء الذي أنا عليه. لديالكثير مما أخبرك به، لكني لاأعرف كيف . أتعلمين، أتمنى لو أنك كاذبة مثلي، لو أن كل ما أخبرتني به ليس صحيحا،أ تمنى ذلك،أتمناه. لكن مهما كانت الحقيقة أود أن أهنئك، فلقد نجحت أخيرا في وضعي أمام المرآة. هل تكفي عذرا أمام كل ما حدث؟ لا أدري لكن اعذريني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق